الجزائر على بُعد خطوة واحدة من القطيعة مع فرنسا !!
سحبت الجزائر رسميا سفيرها من باريس احتجاجا على اعتراف فرنسا بالمخطط المغربي المزعوم للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، حسب ما جاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، الثلاثاء، ورد فيه نصّا “قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري عقب إقدام الحكومة الفرنسية على الاعتراف بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.
وأوضحت الخارجية الجزائرية أن “الحكومة الفرنسية أقدمت على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في إقليم الصحراء الغربية. إن هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت من قبل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين من دون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها”.
كما شدد بيان الدبلوماسية الجزائرية على أن قرار الإليزيه يتنافى ويتناقض مع موقف الأمم المتحدة حول ملف الصحراء الغربية المسجل في لجنة تصفية الاستعمار، قائلة إنه “باعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحل نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، فإن الحكومة الفرنسية تنتهك الشرعية الدولية وتتنكر لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتناقض كل الجهود الحثيثة والدءوبة التي تبذلها الأمم المتحدة بهدف استكمال مسار تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية”، كما حملت الجزائر المسؤولية لفرنسا بصفتها عضو مجلس الأمن الأممي التي تتنصل من المسؤولية “التي تترتب عن عضويتها الدائمة بمجلس الأمن ألأممي”.
على ضوء ما جاء في البيان، وكإجراء احتجاجي رسمي، قررت الجزائر سحب سفيرها بباريس “بأثر فوري” على أن يتولى القائم بالأعمال بسفارة الجزائر بباريس مسؤولية التمثيل الدبلوماسي وهو ما يعتبر في لغة الاحتجاج الدبلوماسي الخطوة الأخيرة قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول، أو بعبارة أخرى فإن سحب السفير، وعلى عكس استدعاء السفير للتشاور، يستبعد نهائيا إعادته إلى منصبه، لأن الأمر لا يتعلق بالتشاور، بل لغة التصعيد في هذه الحالة تجاوزت الاستعداء للتشاور لفترة قصيرة مع استبعاد إمكانية استئناف منصبه.
قرار تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال تنجر عليه بالضرورة انعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية وقد تؤدي إلى تعليق مختلف الملفات وورشات التعاون المفتوحة بين باريس والجزائر، كون القائم بالأعمال ليس من المستوى التمثيلي للسفير، وبالتالي غير مخول لتعويض السفير ولا لأداء المهام الموكلة للسفير، وهذا ما من شأنه أن يدخل العلاقات الجزائرية-الفرنسية في نفق مظلم ويعيدها إلى درجة الصفر.
قرار باريس سينسف بكل الجهود والإرادة التي بذلتها الجزائر منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم من أجل محاولات إعادة الدفء للعلاقات الثنائية، خاصة بعد الزيارة التي أداها الرئيس إمانويل ماكرون إلى الجزائر في أوت 2022، بالإضافة إلى انعقاد الاجتماع الخامس للجنة الحكومية رفيعة المستوى الجزائرية-الفرنسية، بهدف إعطاء دفع قوي للمشاريع “المجمدة”، إلا أن قرار الرئيس ماكرون في ملف الصحراء الغربية قد يتسبب في تعطيل الورشات المفتوحة بين البلدين.
موقف باريس الداعم للطرح المغربي المزعوم ليس بجديد، لكن لم يتجرأ أي رئيس فرنسي من قبل على خطوة الاعتراف “بسيادة المغرب” المزعومة على الصحراء الغربية، وكانت باريس، لعدة سنوات، داعمة، على الأقل في الخطابات الرسمية، لجهود المبعوث الشخصي للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وتطالب بحل في إطارها الأممي، إلا أن الرئيس ماكرون خطى خطوة من شأنها إطالة عمر الأزمة وحالة الجمود التي يعرفها الملف في الأمم المتحدة بسبب خطة الحكم الذاتي، وهو الأمر الذي نددت به الخارجية في بيان نشر الخميس الماضي: “القرار الفرنسي لا يخدم بأي حال من الأحوال أهداف السلم في الصحراء الغربية، ويتسبب في إطالة أمد جمود العملية السياسية لحل هذه القضية، ويساهم في تكريس الأمر الواقع الاستعماري في هذا الإقليم”.